في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة والحاجة إلى توفير العملة الصعبة لنمو الاقتصاد، نجد أن السياحة هي الملاذ والركيزة الأساسية لتوفير العملة الصعبة ودعم الاقتصاد القومي وتحقيق التنمية، وطبقاً لمؤشرات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن ترتفع إيرادات مصر من السياحة خلال ال5 سنوات المقبلة بشكل تدريجي لتصل إلى من 28.8 ل 30 مليار دولار بحلول منتصف 2028، وقد وضعت الدولة السياحة على الأجندة القومية الاقتصادية الخاصة بمصر كمكون أساسي لعودة العملة الصعبة خلال الفترة القادمة.
ولكن كيف تنتعش السياحة؟ بعد تجربة تزيد قليلا عن عام كمساعد وزير السياحة والآثار للترويج أستطيع أن أجزم أن مصر لا تحتاج كثيرا للترويج.. مصر تحتاج لصنع منتج سياحي متكامل وتجربة سياحية حلوة.
المصريين بطبعهم لديهم اهتمام كبير بالسياحة على اختلاف تخصصاتهم واهتماماتهم وهذا عامل إيجابي في حد ذاته لأنه يدل على وعي الشعب بأهمية هذا القطاع الاستراتيجي، ودائما هناك حديث يدور بين المواطنين عن أهمية عودة السياحة وعن أسباب عدم معاملة السائح المعاملة اللائقة ولدينا دائما نقد عن وضع السياحة.. ويتم مقارنة مصر بالعديد من البلدان التي تنافسها في السياحة مثل اليونان واسبانيا ولبنان والمغرب وتونس. ويظل هناك تساؤل دائم ما الذي يوجد بهذه البلدان ولا يوجد في مصر، لماذا تحظى تلك البلدان بإيرادات من السياحة تفوق مصر بكثير على الرغم مما تمتلكه مصر من آثار وثقافة وتاريخ..
لابد في البداية أن نسأل أنفسنا ونكون على استعداد للإجابة بصدق وأمانه، والسؤال هو هل نحن بلد سياحي حقيقي؟ وهنا لابد أن نوضح مفهوم البلد السياحي وهي أن تكون لدينا تجربة سياحية إيجابية متكاملة.. بمعنى أن جميع السياح باختلاف ثقافتهم ” ملابسهم- علاقاتهم – سلوكهم ” يمكنهم التجول في شوارع البلد دون أن يتعرضوا للتنمر أو المضايقات من أي شكل سواء التعدي اللفظي أو الجسدي أو التنمر بأي صورة من الصور، فالسياحة. هي ببساطة أن اشرب فنجان من القهوة في مكان جميل وأتناول طعام مميز يحمل طابع البلد في مكان نظيف ومنظر حلو، وقضاء وقت ممتع مع عائلتي أو أصدقائي وأستطيع أن أحصل على صور تذكارية بحُرية دون أي تدخلات ومضايقات.. هذه هي السياحة.”
فنحن نمتلك مقومات أثرية وثقافية يأتي السياح لزيارتها من جميع أنحاء العالم مثل الأهرامات والمعابد والمتاحف وغيرها، ولكن مازال هذا السائح يمثل ما يطلق عليه سائح المرة الواحدة لأن مصر تمثل بالنسبة له هذه الأثار فقط وبمجرد رؤيتها تنتهي الرغبة في العودة.. فنحن لدينا المكون الثقافي ولكن المكون السياحي لم يكتمل بعد..
لقد قامت الدولة المصرية بجهود كبيرة في الفترة الأخيرة لدعم قطاع السياحة ووضعة على أولويات مقومات التنمية الاقتصادية، ففي منتصف العام الماضي صدر قرار جمهوري بإعادة تنظيم المجلس الأعلى للسياحة برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية عدد من الوزارات المعنية، وقامت وزارة السياحة والآثار بالاتفاق على ضرورة تحول المستهدف من حركة السياحة من زائر المرة الواحدة إلى سائح موسمي وضرورة تضمين السياحة البيئية والمستدامة في أجندة الفعاليات، بجانب إقامة مجموعة من الفاعليات الهامة جدا مثل موكب المومياوات واحتفالية طريق الكباش وغيرهم. و لكن في النهاية الدولة مكبلة بالتحديات ونحن كمجتمع ورواد أعمال علينا دور كبير في دعم جهود الدولة في القطاع السياحي من خلال ترسيخ أسس بسيطة للاحترام والأخلاقيات العامة في التعامل مع السائح كضيف عزيز نتمنى ان يأتي لزيارتنا مرة أخرى.
وأخيرا الفعاليات الممتعة التي يأتي السائح لحضورها وخاصة عندما تكون على خلفية اثرية تاريخية مثل المتحف المصرى الكبير.عندما تم تنظيم حفل للسوبرانو العالمية “فاطمة سعيد” والتي تعد واحدة من أفضل خمس أصوات أوبرا في العالم في المتحف الكبير تم نفاذ بيع التذاكر في 48 ساعة.. وجاء الحضور من العالم كله وشهدوا تجربة سياحية كاملة من رقى ومعاملة وتنسيق.. تكاتف الجميع من متحف كبير وقطاع خاص ودولة وحضور لإخراج الحدث في أحسن صورة، فكانت النتيجة هي طلب المزيد.. أتمنى ونحن على مشارف مرحلة جديدة يحدوها طموح كبير لانتعاش السياحة أن نعطى العيش لخبازه وأن نعلم أن الكل له دور خاص به..
وأخيرا أتمنى ان يكون هناك منهج عن السياحة في المدارس للأطفال والشباب ليتعلموا من خلاله كيفية استقبال السائح والمعنى الحقيقي للسياحة ودور كل مواطن في دعم هذا القطاع حتى تصبح السياحة مكون أساسي في ثقافة ووعي الأجيال القادمة